ملاعب - وضع عشاق ريال مدريد أيديهم على قلوبهم، وفريقهم يخوض نهائي كأس الملك، وتستنزف قدراتهم أمام خصم صعب للغاية مثل أوساسونا، ويتحقق الفوز الشاق بهدفين لهدف، في مباراة ملحمية بدنية تنافسية بشكل حاد، اضطرت الحكم لرفع البطاقة الصفراء 9 مرات في وجه لاعبي الفريقين، كان للريال نصيب في 5 منها.
الخوف كان على وصول الفريق للإنهاك في ملعب لا كارتوخا بمدينة إشبيلية التي تبعد 530 كيلو مترا عن العاصمة مدريد، التي ستشهد بعد 3 أيام فقط النهائي المبكر لدوري أبطال أوروبا مع مانشستر سيتي.
فاز الملكي باللقب وحسم المباراة كما تمنى في الوقت الأصلي دون اللجوء لتمديد كان سيضع عبئا أكبر على كاهل النجوم، ويستنزف المزيد من طاقتهم وقواهم، لكن المواجهة ومراسم التتويج انتهت في وقت متأخر بتوقيت إسبانيا، والسفر إلى مدريد في هذا الوقت المتأخر، يعني نوم اللاعبين بعد بزوغ الفجر، ومعه إرباك ساعتهم البيولوجية، ومعها خطة الإعداد النهائية للمواجهة المرتقبة.
قرار استراتيجي
نظر بيريز في وجوه لاعبيه بعد معركة النهائي، وكان بعضهم يكاد يغط في النوم من كثرة التعب، فدار في خلده مباشرة أن يؤجل السفر إلى مدريد، وفي ذلك عدة فوائد، أولاها منح اللاعبين فرصة للنوم بعمق بعد نهار طويل، ومنعهم في الوقت ذاته من الاحتفال بلقب الكأس مع أسرهم وأصدقائهم بالسهر حتى ساعات الفجر الأولى لليوم التالي.
تحرك الرئيس العجوز نحو صديقه أنشيلوتي مقدما له اقتراحا بأن يبيت الفريق في إشبيلية لمنح اللاعبين فرصة لالتقاط الأنفاس والحصول على نصيب وافر من الراحة، ليوافقه الرفيق (العجوز أيضا) على الفور، ويصدر قراره بأن يبيت الجميع في إشبيلية، وأن يكون صباح اليوم التالي تدريبا اساسيا لرفع الجاهزية للمواجهة المصيرية.
خبرة القرار ونتائج لدرجة الإبهار
في يوم الموعود، كانت التقارير تركز كثيرا على التناقض بين حالتي الفريقين، فالريال عائد من ملحمة على لقب الكأس الذي فعل كل ما بوسعه لاستعادته بعد غياب زاد عن السنوات الثماني، وبالتالي فهو مرهق وقد يأتي مقتله من هذه الزاوية، وفي المقابل كان فريق جوارديولا أكثر راحة، بعد أن حقق فوزا سهلا على ليدز يونايتد، وبمشاركة عدد من اللاعبين البدلاء لإراحة النجوم للموقعة المشهودة.
ما حدث على الأرض كان مذهلا للجميع، فقد ظهر الريال وكأنه حصل على أسبوع كامل من الراحة، حضور ذهني وبدني كامل، وتحركات رشيقة على أرض الملعب، وانتباه تام لتحركات الخصم، وتنفيذ دقيق للمهام الهجومية والدفاعية من الجميع، ولعل ذلك أذهل جوارديولا نفسه، الذي تلقى صدمة البداية، وترك الجمل بما حمل لرجال أنشيلوتي يسرحون ويمرحون على أرض السيتي، بل ويفتتحون التسجيل بقذيفة من فينسيسوس.
ولم ينل التعب من نجوم الميرينجي في الشوط الثاني، وواصلوا على ذات الوتيرة في الكر والفر، حتى النهاية التي كانت مكافأة للسيتي بتحقيق التعادل من تسديدة رائعة لدي بروين، لكن تلاها حديث كثير عن صحة الهدف بعد اللجوء للتقنيات العالية لكشف خروج الكرة من حدود الملعب قبل بدء الهجمة.
تعادل الريال في مواجهة الذهاب، وكسر كل توقعات خسارة كارثية نظرا لظروفه في الليجا، ومواجهة نهائي الملك قبل ساعات معدودة من لقاء الأبطال، لكن حنكة الرئيس وبعد نظره، ساهمت في إبقاء باب الأمل مشرعا على جميع الاحتمالات، لانتزاع بطاقة التأهل للنهائي من معقل السيتي.
أكثر من مجرد رئيس
في جميع قرارات الريال المفصلية، تجد بيريز حاضرا، بذهنة وإدارته وأيضا نقوده..
بيريز تحدى الجميع في مشروع تطوير ملعب السنتايجو بيرنابيو، وها هو على مشارف تحقيق حلمه بأن يرى معقل الملكي منافسا لأهم وافضل ملاعب العالم، ولم يبخل على التنفيذ بأي مال أو جهد، وتولى بنفسه إدارة العملية برمتها وتخصيص المزيد من الأموال مع كل عقبة تقف في وجه المعلم الرائع، ووضع شركاته أيضا في خدمة المشروع الذي بات الجميع يترقب اكتماله قريبا.
وعلى الجانب الفني، كان بيريز يتخذ قرارا استراتيجيا، رغم المخاطرة التي قد تعود على المستوى الفني بالسلب، بعدم التعاقد إلا مع اللاعبين صغار السن، وذلك لتجديد دماء الفريق الذي بدأت مخاطر الترهل تدب في أوصاله مع تقدم عدد من نجومه في السن وخاصة بنزيما وكروس ومودريتش وكارفاخال وأسينسيو وفاسكيز، وهو السبب المباشر في التعاقد مع نجوم شباب يتقدم فينيسيوس ومواطنيه رودريجو وميليتاو، وبعدهم جاء الدور على كامافيجا وتشواميني وهناك من ينتظر دوره لحفل التقديم بالقميص الأبيض.
بيريز اثبت أنه أكثر من مجرد رئيس للنادي، يحرص على الظهور في المنصات والتقاط الصور، بل أحد نجوم الفريق وصانعي مجده بالفكر والإدارة والمال معا.