ملاعب
قصة هوليودية بامتياز هي مسيرة نجولو كانتي في عالم كرة القدم كللها بتقديم مباراة أسطورية مع تشيلسي في نهائي دوري أبطال أوروبا قادهم من خلالها إلى التتويج بذات الأذنين للمرة الثانية في تاريخهم.
وفي أول حديث له بعد مباراة مانشستر سيتي، قال كانتي "نحن سعداء بتحقيق هذه النتيجة، ولكننا حققناها سويًا. أملك روح قتالية ولكننا نقاتل سويًا" ومجددًا يبدو وأنه أراد فرض شخصيته الاستثنائية على الجميع.
الدولي الفرنسي نُصِّب كأفضل لاعب في المباراة النهائية، ومن ناحية الأداء قدم للجميع مفهوم لاعب الارتكاز الدفاعي، وبالطبع كان الحديث الأكبر لوسائل الإعلام بعد إعلان البلوز بطلًا لأوروبا.
بالنظر إلى مسيرة كانتي وشخصيته وما يقدمه في أرض الملعب، يصبح من السهل حقًا التنبؤ بأن قصة هذا النجم الفرنسي يمكن أن تتحول إلى فيلم في هوليوود يظفر بالأوسكار، فكل شيء له علاقة بهذا الشخص لا يمكن نعته سوى بالاستثنائي.
بدأت مسيرة كانتي الاحترافية الفعلية في عالم كرة القدم عام 2014 بالانضمام إلى نادي كان في الدوري الفرنسي، وسرعان ما جذب الأنظار إليه لينتقل في الصيف التالي إلى ليستر سيتي نظير 9 ملايين يورو.
وكأن الأضواء تحب كانتي وتريده حقًا، فبعد عامين من اللعب بالمستويات الكبرى لكرة القدم الأوروبية، نجح في تحقيق بطولة تاريخية مع ليستر سيتي، وهي الدوري الإنجليزي الممتاز في نسخة 2016 التي لا تنسى.
سرعان ما قرر كانتي بعد ذلك بدون الكثير من الشائعات والأحداث أن يرحل باتجاه تشيلسي، وهناك تمكن من معانقة ثاني ألقاب البريميرليج له في مسيرته.
ثم أتى الدور على إثراء مسيرته الدولية، فكان ضلعًا أساسيًا من أضلاع منتخب فرنسا في التتويج ببطولة كأس العالم 2018 بروسيا، ولا ينسى كيف احتفلت جماهير الديوك به بصورة لم يحظ بها أي لاعب آخر.
ربما كان الإنجاز المتبقي لكانتي على صعيد الأندية هو التتويج بدوري أبطال أوروبا، واليوم هو فعلها، لتكون ثاني بطولة أوروبية يحققها بعد ظفره بالدوري الأوروبي مع ماوريتسيو ساري عام 2019.
تحقيق البطولات ليس بالأمر المستحيل للاعبي كرة القدم على المستوى الاحترافي، وهناك أمثلة لا تعد ولا تحصى للاعبين كان تأثيرهم غير موجود ولكن اسمهم كُتِّب في التاريخ كأبطال، غير أن كانتي انتهج نهجًا آخر كعادته، النهج الذي يبقيه بالإيجاب دومًا في ذاكرة الجماهير وكرة القدم بشكل عام.
الحديث هنا عما قدمه كانتي في نسخة دوري أبطال أوروبا 2020-21، وبالأخص في نصف النهائي ذهابًا وإيابًا أمام ريال مدريد، ثم المباراة النهائية أمام مانشستر سيتي.
تقول الصحف الإسبانية أن رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز لم يكن مقتنعًا بطلب زين الدين زيدان التعاقد مع كانتي، وبعد مشاهدة دقائق في مباراة ألفريدو دي ستيفانو، صار من أكبر مشجعيه والراغبين في جلبه إلى العاصمة الإسبانية.
ربما بدلًا من استعراض للأرقام لا يجدي نفعًا في وصف ما يقدمه كانتي، سنكتفي بما سبق وأن قاله بول بوجبا عن زميله في منتخب فرنسا "يمكنه الركض وكأنه 11 لاعبًا، هذا هو أفضل ما يمتلك، إنه في كل مكان!".
من تابع ولو لقطات حتى من المباراة النهائية أمام مانشستر سيتي سيدرك مدى صدق مقولة بوجبا، فيمكنك أن ترى كانتي يزاحم مدافعي سيتي في عرضية بمنطقة جزائهم محاولًا التسجيل، ودقائق معدودة وستجده يقطع الكرة عند الراية الركنية بالقرب من مرماه.
دخل كانتي التاريخ من أوسع أبوابه، حقق إنجازات وفي نفس الوقت فرض تأثيره، لقد كان بطلًا.. تمامًا كالشخصيات التي نراها في أفلام هوليوود.
الشخصية الرائعة
كانتي، وُلد لأبوين من مالي في العاصمة الفرنسية باريس، لم يكن غنيًا، لم يكن محبوبًا من أندية كرة القدم في صغره بسبب حجمه وأسلوب لعبه.
وكأن القدر أراد أن يكون كانتي بطلًا في روايته الخاصة تمامًا كروايته الرياضية، حيث توفي والده وهو في الرابعة من عمر، وبدأ العمل منذ الطفولة لمساعدة والدته.
عمل كانتي في وظيفة جامع القمامة حتى صادف كأس العالم 1998 ورأى كيف أن المهاجرين شكلوا مجدًا لمنتخب فرنسا، وحلم بتكرار ذلك وتمكن بالفعل.
نجح كانتي في كسب الجميع من خلال ابتسامته الجميلة وخجله الضخم في كل المواقف، لقد نجح في أن يصبح متواضعًا على الرغم من صعوبة الحياة التي قاساها في صغره.
لا يوجد ما هو أفضل من الحديث عن شخصية كانتي من هذا الفيديو القادم من احتفالات فرنسا بكأس العالم 2018:
الغريب أن كانتي ورغم ما قدمه في المباراة النهائية أمام سيتي رفض فكرة أنه الأفضل بسبب قدراته، بل أثنى على الفريق ككل واعتبر الفوز نتاج لمجهودهم لا مجهوده.
ختامًا، كانتي قصة تعلمنا الكثير، ما بين حياة قاسية واجهها بمثابرة وابتسامة لم يتخل عنها أبدًا، ثم فتحت الدنيا أبوابها أمامه، فواجهها بتواضع وقلب أبيض، وتصادف كل ذلك مع امتلاكه مقومات رياضية استثنائية جعلته على هذا الأساس كروبن هود حقًا، فما بين مسيرة رياضية تاريخية ترك تأثيره فيها، وما بين سيرة رائعة على الصعيد الشخصي.. قصة فيلم هوليودي.